عيد اللاشغل

إنه عيد الشغل (أو يوم العمل, اليوم العالمي للعمال, أو أياً ما كان يسمى حيث تعيش حضرتكم, باستثناء ما إذا كنت في السعودية, وهذا غير مستغرب لأن هذا أكثر شيء سعودي يمكن أن تتخيّله, بالإضافة إلى هذه التغريدة), وهو واحد من تلك الأيام التي كنت أتطلع لها في طفولتي لأنه يوم عطلة والذي تحوّل إلى “مجرد يوم عاديّ” آخر فور تخرجي, مثل تلك الأعياد الأخرى التي كانت تأتي في العطلة الصيفية, أعني, إسأل أي طفل عن عيد العرش, لا أحد يهتم لعيد العرش! إنه مثل صديقك من المدرسة المتوسطة الذي أضفته عندك في الفيسبوك, أنت لا تهتم له حقاً لكنك لا تمانع وجوده في قائمة أصدقائك.

لا أعرف حقاً إلى أين ستتجه هذه التدوينة ولا اعلم ما إذا كانت ستكون مضحكة حقاً لذلك إن كان لديك شيء ما أفضل لتفعله فمن الأفضل أن تقفل هذه النافذة واذهب لفعله الآن, لكن مرة أخرى هذا ينطبق على كل شيء في هذه اللامدونة, لدرجة أنه يجب أن يكون شعارها تقريباً “الكرخانة: شيء تقرأه عندما لا يكون لديك شيء أفضل لفعله”.

لا أزال عاطلاً عن العمل لحد الساعة, وهو أمر آمل أنه لا علاقة له بهذه اللامدونة, ليس وكأنني أضع رابطها عند التقدم لوظيفة إلا أنني أشك أن هناك ما يقارب 5 رضوانات فقط في مدينتي ويحتمل جداً أن يقوم المُشغل بتجاهل أي طلبات عمل من أي رضوانات بعد إكتشافه لهذه اللامدونة إحتياطاً من أن يكون أحدهم انا, لكنني وجدت نفسي مؤخراً منذ مشاهدتي لفلم Fury أفكر في هذا الإقتباس Best Job I Ever Had وحول الوظائف التي اشتغلت فيها في حياتي, وتبادرت إلى ذهني عطلة صيفية كنت نسيتها بالكامل والتي تضمنت عملي في مكتبة في منصب “شخص يجلس طوال اليوم يلعب ألعاب الفيديو” وكلما فكرت في تلك الوظيفة-التي-لم-تكن-حقاً-وظيفة أرى أنها أعطتني دروساً في العمل-تحت-إمرة-شخص-أخر-غير-والدي والتي لم أتعلم أياً منها لأنني كنت مشغولاً بلعب ألعاب الفيديو طوال اليوم وأيضاً لأنني كنت صغيراً جداً آنذاك على إستيعاب أيّ منها حقاً.

مهلاً, لنعد قليلاً هنا لتوضيح بضعة أمور, نعم أنا واحد من أولئك الأطفال الذين لم يستمتعوا قط كلياً بفصل الصيف لأن والديهم أرادوا إدخالهم لـ”حرفة العائلة” حتى وهم صغار, وهو أمر لا يزال موجوداً في هذا البلد بالرغم من توقيعه على إتفاقيات دولية تمنع عمالة الأطفال, لكن والدي يشبه هتلر كثيراً من ناحية إعتقاده أن الإتفاقيات الدولية لا تنطبق عليه حقاً (أتمنى أن والدي لا يقرأ هذه المدونة), فلذلك كل صيف كان متجر والدي هو مخيّم “شباب هتلر” الخاص بي, وبالرغم من كل الألام النفسية والجسدية التي خلفها ذلك عليّ إلا أنني تعلمت عدة أشياء في ذلك العمل أهمها هي “أكمل دراستك” و “كل البشر سفلة وملاعين وسيحاولون استغلالك ما إذا سمحت لهم بذلك”, لكن فصل الصيف ذاك كان هو الفصل الوحيد الذي عملت فيه في مكان آخر غير ذلك.

لا أتذكر الكثير من التفاصيل حول تلك الفترة في الحقيقة ولا أتذكر ما سبق تكلمي مع مالك المكتبة حول توظيفي, أتذكر أن المرتب الذي اقترحته عليه كان 50 درهماً (شهرياً أو أسبوعياً, لا أتذكر) وهو لغير المغاربة منكم مبلغ يساوي 5 يورو/دولار أو أقل, مهامي كانت فتح المحل في الصباح الباكر والقيام بأعمال التنظيف اليومية وإبقاء المكان مرتب, وللمساعدة ستكون بنته موجودة وكذا أحد أقرباءها (إبن عم أو إبن خال أو شيء من هذا القبيل), كنا جميعنا صغار 13-14 سنة أو أقل حتى, المحل كان صغير جداً وكان هناك 2 أجهزة كمبيوتر, واحد محمول والأخر مكتبيّ وكلاهما كانا يحتويان على ويندوز 98 به ألعاب فيديو, وكانت الأيام كلها هادءة وبالكاد كان هناك شيء يستدعي نهوضي من على الكمبيوتر. الآن أنت تفكر “رضوان كان يعمل في مكتبة, لابد أنه قرأ الكثير من الكتب”, لا, أنت مخطئ, مثلما كنت مخطئاً عندما فكرت “ستصبح هذه التدوينة مثيرة للإهتمام بعد قليل, انا متيقن من ذلك” قبل 3 دقائق, بالكاد تعلمت أي شيء في تلك الفترة سوى أغاني رضا الطالياني.

إلى حين تلك الفترة لم أكن قد سمعت برضا الطالياني سوى مرة واحدة عندما سألني أحد زملائي في المدرسة عما أستمع له على الإم بي ثري خاصتي, واستغربت من رده عندما أجبته قائلا إمنيم, لقد إقترح أن شخصاً يدعى رضا الطالياني هو أفضل من أياً ما كنت أستمع له, وضحكت على تلك الفكرة آنذاك إلى أن جاء اليوم الذي وقعت فيه على أغنية “البابور يامونامور” في الكمبيوتر المحمول في المكتبة, وأتخيل أنه لغير المغاربيين منكم يبدو كل هذا غريباً بعض الشيء ولا تعرفون أياً منه, لتوضيح مدى تأثير هذه الأغنية في تلك الفترة سأحكي قصة أخرى.

في صيف غير بعيد عن أحداث هذه التدوينة وفي شاطئ شمال المغرب كان هناك ما أتخيل أنه مزيج بين كاريوكي صامت ومسابقة غناء تنظمها شركة الإتصالات هناك, أقول كاريوكي صامت بمعنى غناء رديء ونشاز قويّ بغياب أي موسيقى, ولا أعرف ما إذا كانت مسابقة أطفال أو أن المنظمين كانوا يتوقعون سماع “يا طيبة” أو أغنية هزيم الرعد من أولئك الأطفال, لكن كل واحد من أولئك الأطفال الذين صعدو في الخمسة دقائق التي كنت أقف فيها قاموا بغناء هذه الأغنية الرديئة-لكن-catchy رغم جهلهم بكلماتها, وأعني بذلك جهلهم بما يتعدى كورس الأغنية وكذا معاني الكلمات ذات نفسها, أعني, ما الذي يجعل طفلاً ذو عشرة سنوات أو اقل يغني أغنية حول الهجرة هرباً من الميزيرية؟ أشك أنهم يعرفون ماهو البابور أصلاً!

البابور لمن لا يعرف هو سفينة بخارية أو عبّارة, الكلمة مصدرها تركيّ Vapur, وعلى ضوء هذه المعلومات فإنك تفكر مثلي في ان شخصاً سورياً ما كان يغني “البابور يا مونامور, خرجني من لاميزير” وهو على متن قارب مغادر من تركيا إلى اليونان أو ايّ من تلك الأماكن الاخرى التي تعبر لها تلك القوارب. لا, أنت على الأرجح لا تفكر في ذلك, أنت تفكر في أن أغنية يصف فيها المغني حبه لقارب بخاريّ تشير إلى إعتلال خطير في الميول الجنسية لهذا المغني الذي على ما يبدو يحب القوارب حباً جماً, أو لعلك تفكر في أن هذه الأغنية تصلح جداً كأغنية غزل في حب السفينة Boaty McBoatface, ويحتمل أنك لا تفكر في أي من هذا لأنك شخص عديم الفكاهة.

لنعد للمكتبة, كانت الأمور على ما يرام إلى أن حدث شيء ما لا أتذكره والذي أظن أنه شجار لفظيّ بيني وبين إبن العم ذاك والذي انتهى بفصلي عن العمل بعد فترة قصيرة من حصولي عليه, وما تعلمته من هذه التجربة كلها هي التالي: (1) أفضل عمل هو العمل الذي لا يملي عليك فيه رب العمل كل ما تفعله (2) سيسعى رب العمل إلى إعطاءك أقل مرتب ممكن ما دمت تبخس حق نفسك (3) سيسعى رب العمل إلى تفادي دفع أي مبلغ لك ما دام بإمكانه ذلك, عبر طردك مثلاً (4) المحسوبية والزبونية موجودة في عالم التوظيف ومن الأفضل ان تعمل لدى خالك او عمك (4.5) ستكتشف لاحقاً بعد عملك مع خالك أو عمك أو والدك أنه من الأفضل أن لا تعمل مع أيّ من عائلتك (5) لا تفتعل مشاكل مع إبن خال رب العمل, وبالتأكيد ليس مع إبنته (6) لو كان من السهل الحصول على وظيفة هنا أو كان العيش رغيداً لما كانت أشهر أغنية في هذا البلد حول الهجرة على متن قارب بخاريّ.

يحتمل أيضاً أنني تخيلت كل هذا حسب ما تقوله هذه المتحدثة في هذا الـTED Talk (الذي انا متفاجئ من كونه مترجم للعربية), لكن لن نعرف حقيقة ذلك أبداً, أليس كذلك؟

عموماً أنتم تعرفون أن إنهاء هذه التدوينات ليس شيئاً أجيده حقاً, لذلك إلى حين إنتهائي من إحدى تلك المسودات الجالسة هنا لأكثر من سنة سأترككم مع هذا الـGif

علّق على هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

− 2 = 4