العام هو 1995، اليابان لا تزال تعيش على أثار زلزال صاعق ضرب البلاد باعتزال غاري لينيكر (وأيضاً، زلزال حقيقي قتل ستة ألاف شخص)، Ghost in the Shell في السينما، أزمة اقتصادية ضربت البلاد، ومدرب فرنسي صغير يدعى أرسن فينغر تولى مهمة تدريب الفريق الذي اعتزل فيه لينيكر.
بعيدا عن كل هذه الأحداث، في شركة كمبيوتر تدعى Dr Robot يجتمع سبعة إداريين في إجتماعهم السنوي للوقوف على إنجازات السنة وتطلعاتهم للسنة المقبلة. كان كل شيء على ما يرام، الشركة لم تخسر الكثير من الموظفين في الزلزال أو الإعصار اللذين ضربا البلاد، فلذلك الأرقام كانت قريبة من توقعاتهم لمداخيل السنة، وكان الجميع راضياً عن كل ما جاء في هذا الاجتماع، إلى أن تم الاعلان عن قائمة أفضل الموظفين لهذه السنة.
في Dr Robot يوجد تقليد سنوي بتكريم أفضل موظف في السنة بمكافئة مالية وترقية إن أمكن، مرفوقة بحفل ضخم يتم تهنئته من خلاله على عمله الشاق من طرف رؤساءه وكذا زملاءه في العمل. الشركة كانت تهدف من خلال هذا إلى تكريم المجتهدين وتحفيز بقية العمال على تقديم افضل ما لديهم. هذه القائمة يتم نشرها للعلن عبر موقع الشركة وكذا عبر اعلانات في جرائد الصناعة، كنوع من الفخر بالمجهود الذي يقدمه هؤلاء الموظفون.
لكن هذه السنة عندما تقدم مدير المشاريع وأحد أفراد المكتب المسير السبعة، السيد شينجي، ليقدم فقرته المعتادة كل سنة، حدث أمر غريب. شينجي فرش قماشاً طويلاً على الأرض أمامه قبل أن يبدأ فقرته، لكن هذا لم يكن الأمر الغريب. الغريب هو أن قائمة أفضل 10 موظفين التي يتم توليدها تلقائياً من طرف النظام المعلوماتيّ الداخلي الشركة معظمها كانت أسماء من خارج الشركة. هؤلاء الموظفون هم من بين القلة الذين تم توظيفهم عقب الزلزال لملئ الفراغ الذي تركهم بعض الموظفين الذين توفوا أو أصيبوا في الزلزال. الشركة تقوم بين الفينة والاخرى بتعيين بعض الموظفين المؤقتين لملئ الفراغ إلى حين عودة موظفيها الرسميين، وأحياناً يتم توظيف المؤقتين بشكل دائم إذا كان أداءهم يشجع على ذلك. بين الفينة والاخرى، يظهر موظف واحد في هذه القائمة (مع كلمة ‘خارجيّ’ بجانب إسمه) التي تتكون بالغالب من موظفي الشركة، لكن لم يحدث أبداً أن كانت 8 أسماء من أصل 10 في هذه القائمة من خارج الشركة.
شينجي، الذي بدا عليه التوتر الواضح طوال الاجتماع، ذهب تفكيره عندما رأى الأمر إلى خلل ما بالنظام، وهو ما نفته كل التحقيقات التي اجراها طوال الاسبوع الماضي على النظام الداخلي للشركة. بيانات القائمة مستمدة مباشرة من عمل الموظفين على اجهزة الكمبيوتر المخصصة لهم، وتحسب بشكل تلقائي قيمة عملهم على شكل نقاط مستعينة بمعايير مثل مقدار العمل والوقت الذي استغرقه، بالإضافة الى الانضباط في اوقات العمل وما إلى ذلك، الذي يتم تسجيله من طرف نظام الكتروني مستقل وتلقيمه إلى النظام الداخلي ليتم حسابه. لقد كان نظاماً محكما ويستحيل التلاعب به، القائمة كانت تقول الحقيقة، أفضل 8 موظفين في Dr Robot لعام 1995 هم من خارج الشركة.
ما زاد الطين بلة، الفرق بين المركز الثامن والتاسع كان ضخماً جداً، الضعف تقريباً، وأظهر من دون شك أن هناك مشكلة ما هنا، مشكلة في الشركة، وهذه المشكلة سيكون لها تأثيرات جلية.
كانت الغرفة صامتة، لقد كان الجميع مصدوماً من الأمر، كل واحد منهم كانت لديه تساؤلاته الخاصة، وأشياء يود أن يقولها، بل إن أحدهم حاول أن يفتح فمه ليتكلم ولم يخرج من حنجرته سوى بعض الأصوات. لقد كانوا مصدومين لدرجة أن لا أحد منهم لاحظ شينجي وهو يركع على القماش المفروش أمامه، ويخرج سكينا طويلاً من سترته، ويقدم على قتل نفسه على طريقة هارا كيري.
حاول الحاضرون وقف النزيف، إعادة أحشاء شينجي إلى مكانها، لكن بدون جدوى، لقد توفي الرجل في المكان، مخلصا نفسه من عاره بسكين دامٍ، في صورة حُفرت الآن في ذاكرة كل زملاءه الستة الذين لم يفهموا حقاً لماذا قد يفعل شخص ما هذا بسبب شيء صغير كهذا؟ حسناً، الأمر محرج قليلاً أن موظفي شركتك يبدون متقاعسين بالمقارنة مع الأخرين، لكن ليس لدرجة أن تقتل نفسك بهذه الطريقة المؤلمة. الأمر غير مفهوم.
عاد كل واحد من المدراء الستة إلى بيته بمئة سؤال يدور في خلده، بالذات السيد ناغاموتو، مدير التوظيف والموارد البشرية، الذي عيّنه مدير الشركة الآن مسؤولاً عن كل المهام التي تولاها السيد شينجي، إلى حين إيجاد بديل، بما في ذلك القائمة ونشرها.
إحتار ناغاموتو كثيراً في أمر القائمة وشينجي، إذ أنه فكّر مع نفسه أنه كان بالإمكان تفادي الأمر برمته عن طريق توظيف اولئك الخارجيين بشكل دائم في الشركة، وهكذا لن يكون هناك أي شرف مجروح ولا أمعاء مشرّحة. لكنه سرعان ما اكتشف يوم الغد أن هذه الفكرة طرأت بالفعل على بال شينجي عندما زار كازوكي، الموظف الذي حاز على المركز الأول في القائمة، في منزله ليعرض عليه عقد عمل دائم.
“لن أعمل أبداً لديكم” قال له كازوكي، “أنتم مجموعة من الكسلاء العديمي المنفعة. لقد قلت ذلك لشريكك سابقاً، وسأقوله لكل واحد منكم يأتي إلى منزلي. سأكون في وظيفة أخرى فور ما تنتهي عطلتي”
“ولا تكبد نفسك عناء المحاولة مع أي من زملائي الأخرين” أضاف كازوكي وهو يغلق الباب، “لقد اتفقنا جميعاً أننا لن نعمل لديكم بعد الآن”
استيقظ جيران السيد ناغاموتو يوم غد على صراخ زوجته التي ذعرت من رؤية جثة زوجها الخامدة في مرأب سيارتهم، بأحشاءه المتدلية أمامه على منشفة بيضاء. لم تكن تعرف السيدة ناغاموتو ان زوجها يملك خنجر كاتانا من الأساس، ولم تكن تظنه قادراً على مثل هذه الأفعال أبداً. رسالة صغيرة تركها خلفه قالت ان أسباب انتحاره كانت “حفاظاً على شرفه وشرف عائلته”.
عند هذه النقطة، أصبحت هذه القائمة مسمومة لدرجة أن لا أحد أراد أن يلمسها. المدير انتحر بنفس الطريقة بسبب “تسببه في قتل شخصين” على حد تعبيره، والمدراء الثلاثة قتلوا نفسهم كذلك بسبب العار، أما الموظفون الكسالى ففعلوا المثل لتسببهم في الفضيحة كلها من الأساس، والثمانية الأخرون انضموا لهم لشعورهم بالذنب حول الأمر برمته.
خلال أيام، انتحر وزير العمل بسبب هذه الحادثة، ومن هناك خرج الأمر عن السيطرة كلياً. تراكمت الجثث في تطور مهول لتأثير الدومينو. في ظرف عشرة أيام قتل كل الرجال في البلد أنفسهم في حمى الشرف هذه، حتى أولئك الذين لم يكن لديهم أي سبب لقتل أنفسهم فعلوا ذلك خوفاً من أن يتم اتهامهم بأن لا شرف لديهم.
باستثناء رجل واحد.
أرسن فينغر.
ذلك السافل لا شرف له!
مستقبلك يا رضوان هو في الكتابة،،، فأينما كتبت أبدعت.
عرفت الـseppuku أو الهارا كيري عند مشاهدتي لفلم قصير ليوكيو ميشيما، أخرج هذه “الشعيرة” في فلمه القصير، ثم نفذها في نفسه بعد محاولة انقلاب فاشلة.
توظيفك الساخر لها جميل جداً. ومن الصدف -ولا صدف في هذا العالم واقعاً- أني قبل ساعتين شاهدت فلم Harold and Maude وأيضاً ذكروا الهاراكيري.
بصراحة من أجمل ما قرأت في فترة الاخيرة.