مُوَحّد الغرب المتوحش

(هذا مقتطف من السيرة الشبه ذاتية للكاتب العظيم رضوان حفظه الله وقدّس سره المُعنونة “الخبز و أتاي” و التي وُصفت بانها أفضل من “الخبز الحافي”, لأنه وبكل جدية, ما الأفضل من الخبز الحافي غير الخبز و أتاي؟)

* مبني على قصة حقيقية.
** “مبني” يعني أن الأحداث قد لا تكون بالضرورة حدثت هكذا و الشخصيات قد لا تطابق بالفعل الشخصيات التي حدثت لها هذه القصة.
*** أصلاً هذا كلام بيمشي بدون أن يقال من الأساس بس فيه شوية حميدات بيفهمو غلط. 😆

 

إنه يوم الإمتحان الموحّد, اليوم الذي كان حميدة يهابه جداً, اليوم الذي سيحدد ما إذا كان سينتقل من مدرسته الإعدادية إلى الليسي, مدرسة الكبار. إستيقظ حميدة هذا الصباح على وقع صوت والدته وهي تصرخ عليه و ترفع غطاء فراشه عنه لكي توقظه عنوة. إنه يوم مهم, و مي فاطنة لن تسمح أبداً بأن يذهب إبنها إلى إمتحانه متأخراً, لهذا إستيقظت قبل موعدها المعتاد لكي تطهو الفطور و تملأ كيساً بالزبيب لأجل حميدة, لأن الاسطورة تقول أن الزبيب يساعد يوم الامتحان. المشكل هنا أن حميدة لم يُسمى “حميدة” عبثاً, الولد غبيّ كدابة, وهو يعوّل اليوم كلياً على “الحجابات” التي حرص على تجهيزها طيلة أيام عطلة الإمتحان هذه. زبيب العالم كله ليس بإمكانه مساعدة حميدة على النجاح.

نهض حميدة من على فراشه و تناول فطوره و ارتدى ملابسه و وضع كيس الزبيب في جيبه ثم قفز خارجاً. في طريقه نحو المدرسة إلتقى بصديقه علي, الذي يملك قواسماً مشتركة عديدة مع حميدة, أبرزها هو أن كليهما غبيّ كدابة. قال علي:

– ” هل جهزّت الحجابات؟”
– “طبعاً, ودي عايزة كلام؟!”
– “أتمنى أن لا تكون الرقابة لصيقة, لا نريد أن يتكرر ما حدث لنا السنة الماضية, إذا قضيت سنة واحدة أخرى في هذه المدرسة قد أقتل نفسي.”
– “أتفق معك, لقد حان وقت الرحيل إلى مدرسة الكبار, حيث الفتيات الفاتنات وحيث يمكننا أن نسلت من الحصص بلا حسيب ولا رقيب.”

وصل الإثنان إلى باب المدرسة, فوجدا الحارس على وشك إغلاق الباب. “جري أ بنادم, راه غايسد الباب!” صرخ حميدة قبل أن يطلق قدميه للريح. إستطاع الإثنان الدخول قبل ان يغلق “با العربي” الباب وسط وابل من الشتائم. أشار علي بيده إلى مكان تجمّع أصدقاءهما, فتبعه حميدة. كان الحوار الدائر في المجموعة عن “الكاوبوي”, سلّم حميدة و علي على الجميع ثم إنضما إلى الحوار.

– “مالو الكاوبوي؟”, قال علي.
– “إبن الزنا سيقوم بحراستنا هذا الصباح”, رد عليه الرومبو
– فقال حميدة ممتعضاً “لابد أنك تمازحني, كيف لنا أن نغشّ أمام ذلك السافل”

الكاوبوي (أو راعي البقر) ليس سوى المدرس مْبارك المعروف بصرامته, خصوصاً في الإمتحانات. يشاع أنه قام ذات مرة بتصويب قطعة طاباشير مباشرة بين عينيّ أحد التلاميذ الجالسين في الطاولة الاخيرة من القاعة بينما كان واقفاً بعيداً عنه قرب السبورة, عندما ظبطه يغش. هذا ليس الشيء الوحيد الذي أكسبه هذا اللقب, يُعرف مْبارك بإرتداءه سلسلة مفاتيح كبيرة تحتوي على ما يقارب 20 مفتاحاً (لا أحد يعرف ما الذي تفتحه على وجه التحديد) يضعها في إحدى فتحات السروال المخصصة للحزام, لذلك عندما يتمشى مشيته الغريبة (كراعي بقر) في قاعة الإمتحان الصامتة كلياً, يصدر صوت عن سلسلة المفاتيح *قرقش قرقش*.

ليس هذا وحسب, الكاوبوي هو من ظبط حميدة وهو يحاول ان يغشش صديقه علي في الإمتحان الموحد السنة الماضية, ويمكن القول أنه هو سبب تكرارهما للسنة (إذا تجاهلنا السبب الرئيسيّ وهو كونهما كسولين).

رنّ منبه المدرسة الذي يزيل عنك أي نعاس لا يزال فيك, وبدأت جموع المراهقين تهجر الساحة أفواجاً أفواجا لتدلف إلى قاعات الامتحان, دخل حميدة إلى القسم و بدأ يبحث عن الطاولة التي تحمل إسمه, بحث حميدة كثيراً و لم يجدها, وظنّ للوهلة أنه دخل القسم الخطأ قبل أن ينادي عليه علي مُشيراً إلى الطاولة الأولى في القاعة والتي تقع قرب الباب. لقد قفّرها, تمشي الرياح بما لا تشتهيه معدة حميدة و جيوبه المليئة بـ”الحجابات“.

بينما كان حميدة متوجهاً نحو طاولته دخل الكاوبوي, تبادلا نظرة ملؤها التحدي (رغم ان الوقت كان صباحا وليس ظهيرة, كالمعتاد في تحديات الويسترن) قبل أن يبتسم الكاوبوي إبتسامة شريرة تقول “طحت ومحدش سمى عليك, يا حميدة”, ثم مضى كل منهما في طريقه, حميدة إلى طاولته و الكاوبوي إلى طاولته (يفضل الكاوبوي الجلوس على الطاولة رغم توفر كرسيّ للجلوس). عمّ صمت مطبق على القاعة, الكل كان ينتظر دخول المُراقب الثاني, الكل يعقد أمالاً عظيمة على المراقب الثاني, لربما لا يزال هناك أمل للمعوّلين على “الحجابات“, لربما سيدخل مُعلّم غير مُبال, و خلال دقائق قليلة دخل…

إنه ميلود, مدرس التربية البدنية. الحجابات على ميلود!

*قرقش, قرقش*

قد يُتبع )

5 Comments

  1. أبريل 24
    Reply

    ماهذا التشويق الرهيب
    سرد رااائع لكن قصرها جاني بحال يلا كنتفرج في شي فيلم وتقطع الضو بلا منعرف اش طرا 🙁

    • هي الفكرة تبلورت بينما كنت اكتبها, ولم اكن مستعداً بما فيه الكفاية لإنهاءها دفعة واحدة. سألملم أفكاري و احاول اتمامها 🙂
      شكراً على وقتك.

  2. يونيو 12
    Reply

    لقد عشت هذه القصة بحذافيرها و تفاصيل تفاصيلها من الحجابات الى الطاولة الاولى … فقط لو استبدلت الكاوبوي بالنينجا لتيقنت أن الامر متعلق بي هههههههه تحياتي للاسلوب و الاسترسال السلس

  3. كأنني أقرأ رواية. قصة مشوقة و نريد التكملة. ما هذا؟ قد يتبع! يعني هو مسلسل ملغى أم ماذا هههه؟

    • يعني انني عندما كتبت هذه القصة لم أفكر حقاً كيف ستنتهي, اوقعت نفسي في ورطة و اخرجت نفسي منها باستخدام تقنية つづく 🙂

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

72 − = 69