الغزّاوية عإدنبرة و الصهاينة عالمقبرة

قرأت مؤخراً أنه في إحدى مهرجانات إدنبرة الموسيقية (مهرجان الهامش) قامت إحتجاجات كبيرة من طرف الجمهور على إحدى الفرق الغنائية الإسرائيلية, الأمر الذي إضطر منظمي المهرجان إلى إلغاء فقرة هذه الفرقة من المهرجان. مهرجان الهامش هو مهرجان يضم عدة موسيقيين صاعدين من مختلف بقاع العالم, و حلم كل الموسيقيين فيه أن يجذب اداءهم إنتباه الجمهور و الصحافة, وقد نجحت هذه الفرقة في جذب الإثنين… لكن ربما بطريقة غير التي تمنوها.

ذكرتني هذه الحادثة بحادثة أخرى حدثت في فرنسا, لكن هذه المرة كانت على ملعب كرة قدم, حيث اقتحم بعض المشجعين من الداعمين للقضية الفلسطينية أرض الملعب خلال مباراة مابين فريق من الكيان الصهيونيّ و إحدى الفرق الفرنسية, ثم قامو بالاعتداء جسدياً على اللاعبين. للمعلومية الفريق يضم 4 لاعبين أجانب (قانون الدوري يسمح بما أقصاه 5 لاعبين أجانب في كل فريق).

رأيي بخصوص هذين الحادثتين (وأية حوادث من هذا النوع) مختلطة, فأنا أيضاً من المناهضين للعدوان الصهيوني على غزة, لكنني أتساءل هل مثل هذه الاحتجاجات هي أفضل وسيلة للتوعية بما يحدث في غزة؟ هل كون فريق غنائيّ ما من إسرائيل يعني بالضرورة انهم داعمون لما تفعله حكومتهم؟ هل كونهم مدعومين من طرف الحكومة عن طريق منح مالية حكومية تعني أوتوماتيكياً أنهم موافقون على قتل الأبرياء و الأطفال؟ هل كون فريق كرة قدم من إسرائيل يعني بالضرورة انه مؤيد لأفعال الحكومة؟ ما ذنب أولئك الأربعة الأجانب؟

لا أنكر ان هذه الإحتجاجات كانت ناجحة و أتت أكلها, العرض الغنائيّ تم إلغاءه بعد يوم واحد فقط, الصحافة كتبت عن هذه الاحتجاجات, مباراة الكرة استمرت لكن كبريات صحف العالم (كالديلي ميل) كتبت عن تلك الحادثة. لربما إلغاء عرض هذه الفرقة و الإزعاج الذي تسببت به لباقي العروض في ذلك المهرجان ضرر جانبي مقبول, لربما الرضوض و الكدمات (إن وجدت) على ضلوع أولئك الأربعة الأجانب ضرر جانبي مقبول في سبيل جذب الإنتباه للقضية. يجب علينا بالفعل ان نعترض على الاعتداء الوحشيّ الذي يتعرض له الشعب الفلسطينيّ في غزة ولا يمكنني القول ان هذين الإحتجاجين مثلاً كانا غير ذي فائدة.

الأمر المزعج هو انك لا ترى مثل هذه الإحتجاجات حول أشياء أخرى. خلال الـ9 سنوات التي استمرت فيها حرب أمريكا على العراق لم أسمع قط بأن مغنياً أمريكياً تم إلغاء حفله الموسيقيّ إحتجاجاً على الحرب في العراق. لا, دعنا لا نبتعد لهذه الدرجة, لقد كان هنا في هذه البلاد سجن تعذيب إسمعه تازمامارت عُذب فيه جنود ومات بعضهم هناك لمدة 18 سنة, لكن لم تسمع قط أن جاد المالح تم مقاطعة عرضه الفكاهيّ في باريس بسبب أصوله المغربية وما ترتكبه حكومة المغرب من انتهاكات لحقوق الانسان!!

مهرجان موازين كذلك يستلم دعماً من طرف الدولة (أو كان كذلك — زعماً — لبعض الوقت) و يستضيف مغنيين من شتى دول العالم, هل سمعت قط بمقاطعة الجمهور المغربي لمغني أمريكيّ ما بسبب الحرب على العراق؟ مهرجان غناوة يستضيف مغنيين من القارة السمراء, ربما احدهم من إفريقيا الوسطى, هل سمعنا؟

أستراليا تقوم بإلقاء طالبي اللجوء الذين حاولو دخول بلادها باستخدام القوارب في سجون غينيا الجديدة أو ناورو. يقال ان احد هؤلاء ضُرب حتى الموت بينما كان في عهدة الحكومة الاسترالية. هذه السجون مليئة بأطفال صغار و حديثي الولادة. هل تم مقاطعة أفلام هيو جاكمان و نيكول كيدمان في أمريكا (أو أي مكان في العالم) بسبب هذا؟

طبعاً لا يمكن المقارنة بين ما يحدث في غزة بما يحدث في أي مكان أخر في العالم, لكن يمكننا المقارنة بين التفاعل الذي تجده حول غزة وحول أي شيء أخر.

ستقول لي أن الفكرة سخيفة, ما علاقة هيو جاكمان بما تفعله حكومته؟ أقول لك, كيف يمكنك أن تفصل أعمال هيو جاكمان الفنية عن قرارات حكومة بلاده السياسية بينما ترفض أن تفصل مابين فريق كرة قدم و حكومته؟ كيف يمكن لنا ان نرى ان احتجاجاً على مغني اسرائيلي امر بديهي و طبيعيّ بينما الاحتجاج على جاستن تمبرليك سخيفاً و تافهاً؟

لماذا نستقبل فوضيل و الشاب خالد بالأحضان بينما لا يزال هناك بوليزاريو, وفي نفس الوقت نقول “إدييييلو و عبييييييلو” و “عطيه و زيد لمّو” لأولئك المقتحمين لذلك الملعب؟ لماذا نتسابق لشراء تذاكر ريال مدريد في كأس العالم للأندية بينما لا تزال سبتة و مليلية تحت الاحتلال؟ ثم قبل كل شيء, لماذا نخرج بالألاف للإحتجاج على العدوان الاسرائيلي لكن لم نفكر قط بالاحتجاج على سبتة و مليلية؟

لا أعلم الأجوبة عن كل هذه الأسئلة حقاً, لكنها أسئلة أتت ببالي و أردت ان أكتب عنها.

علّق على هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

× 2 = 8