يمكنك أن تحصل بالكلمة الطيبة و النكتة اكثر مما يمكنك ان تحصل عليه بالكلمة الطيبة وحدها.
– بوعزة الماريواني (حصل على هذا الإقتباس من آل كابون بالمسدس)
* إحتذاءاً بنهج استوديوهات هوليوود, هذه التدوينة عبارة عن prequel لقصة مول الساروت
قبل أن يصبح مول الساروت هو مول الساروت, كان شخصاً عادياً مثلك, يأكل و ينام و يتغوط و يذهب للعمل أو الجامعة, يشتري الخضار من السوق, الواقيات الجنسية من الصيدلية, و أشياء-لم-يكن-يعرف-انه-يحتاجها من السوبرماركت. كأي شخص عاديّ أخر.
وقد تستغربون كلامي عن مول الساروت بالضمير المستتر, لأنه مول الساروت ليس هو أنا بالضرورة, مول الساروت is a state of mind (كتبتها بالإنجليزية لأن “حالة عقلية” تجعل الأمر يبدو وكأنه مجنون), إن مول الساروت منفصل عن رضوان, كإنفصال بروس واين عن باتمان و كلارك كِنت عن سوبرمان, إنهما في نفس الجسد لكن ليسا نفس الشخص.
(نعم, انا أحاول ان أستميل Marvel أو DC إلى إنشاء كوميك مول الساروت. وأنتظر بدأ المفاوضات لأطالب بأن يكون نيل غايمان هو الكاتب!)
ذات يوم كنت أتسوق في السوبرماركت مثل أي شخص طبيعيّ أخر, أملأ سلة المشتريات بمنتجات تافهة كان يمكنني أن أحصل على ماهو أحسن منها في محلات متخصصة فيها وبثمن أقل لولا أنني كسول كالفقمة. لا داعي لأن ندخل في تفاصيل ما اشتريته… حسناً, حسناً… سأخبركم ما أشتريته… زوج من الجوارب, شمع مُعطر رومنسيّ, علبة مناديل ورقية, و مرطب لليد. في بادئ الأمر يبدو ان هناك صلة بين هذين الثلاثة, يصادف الأمر انه نفذت مني الجوارب النظيفة و أن الكهرباء يروح و يجيء في اوقات مختلفة من اليوم, المناديل الورقية لأجل المخاط الذي لا ينفذ من أنفي, اما مرطب اليد فهذه حالة طبية لا داعي لأن ندخل فيها. ولتبديد الشكوك حول مشترياتي هذه, أضفت خيارة إلى سلة المشتريات لإرباك الناظرين, رغم أنني اظن ان هذه الأخيرة زادت من حدة الشكوك وليس العكس.
المهم ما علينا, بعد ان انتهيت من التسوق و تذوّق الزيتون و الزبيب و الفواكه المجففة وكذا عيّنات المنتوجات (لحوم مبردة, غالباً) التي يعرضها مندوبو المبيعات في السوبرماركت, توجهت إلى مخرج “5 أشياء أو أقل” الذي يقف فيه عدة زبناء يحملون عربات مليئة بحوالي 15 شيئاً أو أكثر — غير مبالين باللافتة — و انتظرت دوري. رمقني بعضهم بنظرات غريبة لم افهم ما سببها (أحب أن أظن أن السبب هو انني كنت الوحيد الذي يملك حرفياً 5 أشياء أو أقل في هذا الممر), لابد ان هناك سوء فهم كبير هنا. جاء دوري و قدمت مشترياتي إلى أمينة الصندوق, فحدث أمر غريب.
أقول غريب, كانت هي تقوم بما يفعله امناء الصندوق عادة و كنت انا اقوم بما يفعله الزبناء عادة. أي بمعنى أخر, كانت تقوم بتمرير أشيائي — التي عددها أقل من خمسة — عبر تلك الماكينة و كنت أنا في الجهة الأخرى أضعها في الأكياس البلاستيكية (تباً للبيئة و الدلافين و كل الحيوانات البحرية!). إلى هذه اللحظة كان كل شيء عادياً, قبل ان تقف هي للحظة عن ما-يفعله-امناء-الصندوق-عادة لتخبرني أنني لا استطيع ان اشتري خيارة واحدة هكذا وحسب, بل يجب علي ان أزنها عند صاحب الميزان لكي يتم تقدير ثمن الخيارة حسب وزنها ثم أضافت مستغربة شرائي لخيارة واحدة قبل ان تنادي على أحد موظفي السوق لكي يعود بها و يزنها, قلت لها أنه لا بأس و يمكنني الاستغناء عنها وأنني لا أخطط لأن أكلها, فتوسعت حدقتا عينيها وأنا لا أفهم السبب.
الأمر عاديّ لحد الساعة, كل شيء كويس, أردت أن أخرج بأشيائي الثلاثة و ادفع ثمنها ثم ارحل, لكنني فضلت البقاء لأنها الآن أرسلت ذلك الفتى إلى مؤخرة السوبرماركت و من العيب ان اتركه يقطع كل تلك المسافة ذهاباً وعودة بلا جدوى. المهم وقفت هناك في صمت, ثم حدث شيء غريب!
بدأت تسألني أسئلة!
“كيف حالك اليوم؟”, سألتني بإبتسامة موظفي السوبرماركت المعتادة.
لقد كنت متعباً. كنت قد عدت للتوّ من رحلة تخييم مع بعض السفلة من أصدقائي بالإضافة إلى بعض الغرباء. كان جسمي يؤلمني في عدة مواضع, ظهري الذي شُوِيَ بتعرضه المستمر لأشعة الشمس, و باطن قدميّ احترق من ملامسته اليومية لرمال الشاطئ الحارقة, عضلاتي كلها تؤلمني من لعب كرة القدم مُكرهاً لإستكمال نصاب اللاعبين في احد الفريقين, و معدتي تكرهني بسبب الأطعمة الرديئة التي تناولتها خلال الأيام الماضية و كذا لإستغنائي عن عملية مضغ الطعام في فمي بسبب التسابق الذي شهدته كل الوجبات التي حضرها هؤلاء الأصدقاء في المخيّم, أما دماغي فكان يشتمني لنقص النوم الذي سببه مضجعي الغير مريح على الرمل. فوق كل هذا, كنت مغبوناً لكوني أقف في سوبرماركت صبيحة يوم سبت بدل ان اكون في فراشي الدافئ. كما أنني قضيت الطريق كله مابين البيت و السوبرماركت أفكر في الوضع الإقتصاديّ الحاليّ و تأثيره عليّ أنا الخريج الحديث العاطل عن العمل.باختصار, كنت في وضع خرائيّ كلياً — على ذكر الخراء, كنت أيضاً اشعر برغبة في التغوط — لكنني أجبت الإجابة المعتادة و المتوقعة في حالات كهذه:
“بخير حال, شكراً على سؤالك.”, بابتسامة توازي ابتسامتها (لكن أقبح بكثير, نظراً لإكتشافي بعد عودتي من المخيّم ان عبوة معجون الأسنان قد نفذت… بئساً, نسيت ان اشتري معجون الأسنان!).
ظننت ان إجابتي هذه ستكون نهاية هذه المحادثة. هذه هي العادة مع محادثات الغرباء. أسئلة مؤدبة, أجوبة مؤدبة, إبتسامة مؤدبة, و “شكراً, الله يعاون”. لكن هيهات…
“هل فعلت أي شيء جميل اليوم؟”, لا تزال إبتسامتها العريضة كما هي.
لم أكن متأكداً. هل فعلت؟ لقد كان صباحاً كأي صباح أخر, استيقظت على نور أشعة الشمس, وهو أمر جميل بعد ليلة قضيتها متحسراً على ضياع يوم أخر لم أفعل فيه أي شيء مفيد بحياتي. لم استمني, هل يعتبر هذا أمراً جميلاً؟ تناولت افطاري و استحممت, وهما شيئان جميلان على ما أظن, بالنظر إلى انتشار المجاعة و ندرة الماء الصالح للشرب في بعض مناطق العالم, لكنني أجبت مرة أخرى كما تتوقعون:
“اممم… ليس حقاً. اتسوق وحسب.”, ابتسامتي بدأت تضعف, مثل صبري.
لابد ان هذه هي نهاية هذه المحادثة. لا أريد أن أبدو كسافل لعين يرفض تبادل محادثة خفيفة مع عاملة سوبرماركت انتابها الملل, لكن الأمر بدأ يصبح شخصياً, لقد تعدت كل الحدود.
“هل ستخرج الليلة ام ستقضي ليلة هادئة؟”, بإبتسامة — رغم ان هذا يبدو مستحيلاً — أقوى من التي قبلها.
ماذا؟ وما غايتها من معرفة هذا؟ لماذا قد ترغب بمعرفة شيء كهذا؟ وما الذي تقصده بـ”ليلة هادئة”؟ هل, بالنظر إلى إصابتي بطنين الأذن, إن جلست في بيتي بلا حراك, هل تعتبر هذه ليلة هادئة؟ ولماذا تكون هادئة؟ ألا يمكنني ان اجلس في البيت وأن ألعب Guitar Hero عاري البدن مثلاً؟ ليس وكأن هذه هي خطتي لهذه الليلة, رغم انها تبدو لي الآن جد مغرية. ماذا لو قلت لها أنني سأخرج؟ هل ستطرح علي أسئلة أخرى؟ إلى أين سأخرج مثلاً؟ وماذا سأفعل؟ و مع من؟ بعد رحلة التخييم المتعبة هذه, لم يكن لدي أية نية للخروج. وبما أنني شخص صريح, فلم أرى بداً للكذب.
“اممم… ليلة هادئة وحسب.”, اختفت الابتسامة من على محياي تماماً.
بدأ الضمير يفعل ما تفعله الضمائر عادة, التأنيب. “تباً! لماذا قلت الحقيقة؟ الآن إنها تظن انك ممل للغاية. الآن ستظن انك ستعود للبيت و تشاهد داونتن أبي بينما تتناول السباغيتي ثم تنام على الاريكة لأنك منهك جداً على ان تنهض و تصعد لغرفة النوم”. لا أعلم لماذا كنت أهتم برأي فتاة غريبة كلياً فيَ. وما يضرني ان كانت تظن انني ممل أم لا؟ لم أكن منجذباً لهاً من الأساس. لم اكن احاول اثارة اعجابها. لم ابدأ هذه المحادثة اللعينة حتى. كل ما كنت احاول ان افعله هو التصرف بلباقة, وبعدين أين هو ذلك الموظف اللعين؟ ثم فجأة, قبل أن تجد هي فرصة لقول أي شيء, وجدت نفسي أقوم بتبرير إجابتي السابقة.
“لقد كانت ليلتي السابقة متأخرة بعض الشيء”, بإبتسامة مثيرة للشفقة.
الآن صرت أتحدث مثلها. “ليلة متأخرة”؟ ما هذا؟ النوم بعد 3 ساعات من توقيتي المعتاد صار “ليلة متأخرة”؟ كيف جعلت ليلة مكونة من النوم على الأريكة بينما لا تزال يد التحكم في يدي بعد لعب “فيفا 14” لمدة ساعتين تبدو وكأنني كنت أعربد مع أصدقائي الماجنين في حفلة مملوءة بالساقطات و المخدارات و ماء الحياة؟ ما الذي فعلته بحق الجحيم؟!
فاض بي الكيل. كانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير. عند هذه اللحظة انفجرت, وسحبت المسدس من خلف سروالي ثم طلبت من الجميع أن يضعو أيديهم خلف رؤسهم و يستلقوا على الأرض. عم الصمت في المكان, انبطح الجميع على الأرضية واضعين أيديهم خلف رؤوسهم كما طلبت.
“لا يتحركن أحد ولن يتأذى أحد.”
لهجتي كانت صارمة. كانوا يعلمون أنني لا أريد إستعمال المسدس لكنني سأفعل إذا ما اضطررت, سأقتلهم جميعاً. طفشت بالأسئلة اللعينة و احتجت طريقة للخروج من هذا الإستجواب اللعين. كانت هذه طريقتي الوحيدة للخروج. قمت بتصويب المسدس نحو الفتاة.
“هذا ذنبك!”, قلت صارخاً.
“إذا قُبض عليّ و أُرسلت إلى السجن و أضطرت أختي لبيع جسدها لكي تعيل إخواني الصغار الذين سيتحولون إلى نشّالين و بائعي مخدرات, انت المُلامة!”
إبتسَمَتْ ببلاهة.
“يبدو عليك التوتر, هل تريد تذاكر لمنتجعنا الصحي؟”
إذا قُبض عليّ و أُرسلت إلى السجن و أضطرت أختي لبيع جسدها لكي تعيل إخواني الصغار الذين سيتحولون إلى نشّالين و بائعي مخدرات, انت المُلامة!
ههههههههههه شظايا أفلام جريمة و عصابات قابعة بالدماغ!
لم أكن أتوقع أني سوف أقرأ لك قصة مشوقة مثل هته أنا جاد هنا استمتعت بالحوار الذي دار مع الكاسييه و كذلك الحوار الباطني ذكرني بجيري في حلقة من حلقات الموسم الأول من ساينفيلد
يسعدني أنك استمتعت بالقصة أخي بديل, إذا أعجبتك هذه قد تعجبك قصة مول الساروت 🙂
متابع قديم لكل ما تكتبه على دليل التلفزيون
وجدت هدا المكان بالصدفة، رااائع كعادتك
استمر..