لا أعرف هل كففت أنا عن أن اكون طفلاً لأن رمضان طفولتي لم يعد كما كان, أم ان رمضان لم قد كف أن يكون رمضان طفولتي لأنني لم أعد الطفل الذي كنته؟
فلم تعد الأشياء تبدو مشابهة لما كانت عليه, او أن نظرتي إليها تغيرت. فعلى سبيل المثال, المسجد, لم يكن سوى المكان الذي يصدر منه الآذان, والذي لم يكن سوى إعلاناً بنهاية وقت الصوم و بدء وقت الأكل. لكنه الآن مكان للصلاة و العبادة. لم يكن المسجد سوى المكان الذي نأكل فيه الكسكس ليلة القدر, بدل ان نأكلها في بيوتنا, لكنه اصبح مكاناً نعتكف فيه ليلة القدر. حتى الطعام, ما كان يميز طعام رمضان طفولتي هو انه الطعام الوحيد الذي يوضع على المائدة طوال اليوم, لكنه الآن اكتسب ميزة اخرى, وكأنه طعام ديني من نوع ما.
وبالحديث عن الطعام, نتحدث عن مائدة رمضان. مائدة رمضان تكتسب سمة مميزة تتجلى في انها تجمع العائلة كلها, كما ان طعام رمضان يكون غالباً مميزاً و اشبه بالوجبات الخاصة التي لا نراها سوى في المناسبات الخاصة, و كما قلت, فهو يأخذ من رمضان بعضاً من معانيه الروحية و بعض قداسته, و تصبح وجبات معينة نوعاً ما رمزاً لرمضان, كالحريرة (الشوربة) في مائدتنا على سبيل المثال.
وحين بلغت و بدأت أصوم, تغيّرت علاقتي برمضان من “دخيل” إلى “عضو”, فبدأت أحس بأنني جزء من هذا الشهر, ولم اعد مجرد متطفل. الصوم كان تقريباً, هو تذكرة دخولي عالم “الكبار”, اذ به اصبحت اشاركهم شيئاً كان بنظري “يخصهم”.
ما لم يتغير بنظري في رمضان مع مرور الوقت هو المسحراتي, فكان شيئاً ثابتاً لا يتغير. دقات طبله قبيل موعد السحور. ولكنني اظن انه تقليد اقترب من الاندثار, ولربما قد اندثر بالفعل في اماكن معينة, لأن الناس اصبحو يستعملون منبه هاتفهم, أو في حالات اخرى, يظلون مستيقظين حتى الفجر.
ومن أبرز ما تغيّر في رمضان, هو التلفزيون, الذي ازداد حموضة و سماجة سنة بعد سنة!
إذا ما الذي تغيّر, هل نحن تغيّرنا ام تغيّر رمضان؟
نحن تغيرنا بالتأكيد
زمن استعمرونا فيه ببذل رسمية!!! فالاستعمار الفكري أشد تأثيرا و أبقى، فأفكارهم تغزونا كأسراب الجراد عبر المحطات الفضائية و الزحلية و ذلك بمباركة الحكومات العربية و الإعلام العميل، فأصبح العالم عبارة عن نسخ كربونية تهفو نحو الحياة بالستايل الأمريكي أو الأوربي حسب الموقع الجغرافي وانسلخنا من هوياتنا و أصولنا الاسلامية كما تنسلخ الحية من جلدها و تبعناهم إلى جحر الضب بالألوف بل بالملايين فلا نحنُ بلغنا وجهتنا ولا عرفنا طريق العودة لأصلنا .. بقينا مُعلقين لم نحقق لا الحلم الأمريكي ولا السويدي و حتى الاسلام ما عاد إسلاما بحق فأغلب مسلمي زماننا مسلمون بالوراثة و يتخذون المجتمع أصلاً و ليس القرآن و السنة فمثلا تجده يصوم رمضان و لايصلي! لماذا لأنه ”حشومة” يفطر والناس صايمة، يخاف نظرات الناس و لايخشى الله! وكذلك الأمر بالنسبة لاطالة الشعر أو صبغه فبالرغم أنه سنة إلا أنه “حشومة” في مجتمعنا و كالعادة يتبع المجتمع و يهمل الأصل، فبقينا ندور في حلقات فارغة نميل حيث مال الناس بعقلية القطيع و أكل الربيع فنحن لطريقهم سالكين و لانهتم لكثرة الهالكين مُتغاضين بقصد أو دونه عن قوله تعالى “وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ” … ولم أعد أرى حلا لما نحن فيه إلا قوله عز و جل “وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ”